تأمّلات شخصية في التنظيم والمؤسساتية
بقلم فادي أبو ديب
في الأغلبية الساحقة من المؤسَّسات التي نعمل معها أو نراقبها أو نسمع بالأحداث التي تجري فيها، نلاحظ أمرين هامّين:
- هذه المؤسَّسة لا ترضى عن الإنسان الجاد والباحث والمستقلّ التفكير إلى حدًّ قريب أو بعيد، وربّما تحاربه.
- هي أيضاً لا ترضى عن الإنسان الكسول الخامل الذي لا يقوم بشيء، فنراها
تستمرّ في القيام بدورات التأهيل التي تهدف "ظاهرياً" إلى رفع مستوى
الكفاءة الفِكرية والفنّية.
والسؤال الذي يتبادر
إلى الذهن فوراً هو: لماذا تقوم هذه المؤسسات بهذه المحاولات الحثيثة
لتغيير الكسول أو العادي، طالما أنها تخاف من المستقلّ التفكير؟
وهنا
نرى الإجابة بوضوح وهي: إنّ هدف المؤسسة هو إنتاج آلات نشيطة، هي عبارة عن
أفرادٍ غير مستقلّي التفكير. هذه الآلات تمجِّد سياستها العامة وتسعى للعمل
وفق حذافيرها ونشر ثقافتها. أي أنّ هدفها هو تأهيل العنصر ليكون جزءاً من
مجموعة متشابهة العناصر، من حيث القِيَم النفعية.
*** *** ***
أعتقد أنّ المجتمعات التي تحتاج إلى قوانين شديدة التفصيل
لتسييرها هي مجتمعات تعاني من قلّة النموّ الفكري والأخلاقي للفرد، والذي
يخضع أصلاً لعبودية جمعيّة رهيبة، إمّا أن تتمثّل في سيطرة القبيلة، أو
تتجلّى في نفوذ مؤسسات المال. لذلك فإني أرى أن الشريعة الوهابية مثلاً لا
تفترق كثيراً عن شروط وقوانين العمالة والتعليم في مجتمعٍ رأسمالي ليبرالي
في نتيجتها الأخيرة على الفرد الواحد.
الحالة الأسمى للإنسانية هي
التلقائية والطبيعية في تجمّعات زراعية وحرفية صغيرة. وكون هذا أصبح صعباً
جداً في هذه الأيام لا يعني أن ما هو موجود صحيح.
*** *** ***
أيّة مؤسَّسة في العالم هدفها نفسها في المقام الأول.
قد يبدو كلامي قاسياً للوهلة الأولى في ظلّ وجود مؤسّسات خيرية عديدة،
ولكن، هل تقبل مؤسسة أن تحلّ نفسها طوعاً وبدون أيّ إكراه من أيّ نوع؟
كل مؤسسة تعبد نظامها الداخلي، ولا يعنيها أيّ شيء آخر. فطالما هي تحقِّق النفوذ أو السُّلطة أو الفائدة المادّية لمُلّاكها، فسيبقى هؤلاء يعتقدون بأحقّية وجودها.
*** *** ***
هنالك شيطان يسير بالمجتمعات نحو القضاء على المهن الحرّة
وحصر كل الأعمال في حوزة الشركات، فيكون كلّ من لا يرضي الشركات "لا يقدر
أن يبيع أو يشتري".
*** *** ***
من عجائب المؤسسة الدينية أنها تدعو الإنسان ليل نهار
لمعرفة الحقيقة، ثم تتهمه بالتطرف عندما يعثر على شيء من هذه الحقيقة،
وبالهرطقة عندما يحاول نقلها إلى حيز التطبيق.
*** *** ***
التنظيمات الجماعية -مهما كانت- تقوم على الكذب بشكلٍ أساسي، وبدون هذا هي غير قادرة على الاستمرار.
*** *** ***
الحضارة التقنية تتنافى مع المعرفة الروحية، وتشوِّش على
النور الداخلي للإنسان. الإنسان لم يُخلّق ليعيش في تنظيم شديد وصارم. هذا
التنظيم هو نتاج الحضارة الصناعية التي تستعمل الإنسان كوقودٍ لها، وتعتبر
أنّ كل وقته ملكها، ومن الشرعي أن تقوم باستخدامه كيفما تشاء بحجّة التقدّم
الحضاري.
*** *** ***
الفرق بين عصرنا وعصور العبيد أنّه في تلك العصور كان العبيد متأكّدين أنّهم كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق