خواطر حول موطن الإنسان
بقلم فادي أبو ديب
عمّان - 25 آذار 2012
هل هي مجرّد حروبٍ وتغيّرات اقتصادية وثقافية تلك التي تقضي على المدن والحضارات، أم أنه تمرّد الطبيعة ضدنا؟
لماذا
لا يكون فناء الحضارات رفضاً من هذه الطبيعة- خليقة الآب الأصلية- لما
نفعله ضدها من قسوةٍ واغتصاب وتغييرٍ كاملٍ للمعالم، وأيّ فتاة أصيلة جميلة
تقبل أن يعبث الناس بملامح وجهها كما يشاؤون ويرتؤون؟!
لم
يخلق الرب الإله الإنسان في الطبيعة عن عبث، ولم يجعله شريكاً في تسمية
الخلائق إلا لكي يكون أباً وليس مخرِّباً لها. لقد أمره أن ينمو ويكثر
ويملأ "الأرض"، لا أن يخرج من هذه الأرض ليصنع لنفسه مستعمراتٍ صناعية قضت
على الهواء والماء والحيوان والتربة والنفس البشرية.
لم
يخلق الرب الإله الإنسان في الطبيعة إلا لأنها ضرورية لوجوده الجسدي
والرّوحي. لم يخلق الأشكال والعطور المنظورة والمحسوسة إلا لأنها ضرورية له
قبل أن تكون ضرورية للخلائق نفسها. ألا تستطيع الأزهار مثلاً أن تتكاثر
وتتعرّف على مواطن وخصائص بعضها عن طريق مواد بدون رائحة؟ ألا يمكن للتوازن
البيئي أن يحصل بدون المناظر الخلّابة والظواهر الطبيعية العجائبية؟!
منذ
أن خرج الإنسان من الطبيعة وبنى الحضارة المدينية القائمة على التصنيع
والتبجّح بالأنانية والعلم المجرَّد من هدف خدمة الفرد الخلّاق المخلوق على
صورة خالقه؛ منذ ان فعل هذا خسر نفسه، وأفسد الظاهرة الإنسانية.
من
أجل هذا تستمرّ الحضارات بالفناء. إنها حتميّةٌ لخطيئة الإنسان الجماعية.
فإذا كانت خطيئة الإنسان الفردية تفسد روحه، فإن خطيئة البشر الجماعية
تفسِد الظاهرة الإنسانية الأصيلة. كلّما بنى الإنسان "برج بابل" جديد
أفسدته الطبيعة وحرمت الإنسان منه كالأم التي تسحب السكين من يد طفلها
الساذج.
ستبقى
الطبيعة تتمرّد حتى يعود لها الإنسان، وتفني كل حضارةٍ تظن أنها أنجزت
الكثير وباتت عظيمةً جداً بفضل صناعتها وتقنيّاتها القاتلة للإنسان. ستبقى
الطبيعة تئن وتتمرّد حتى يأتيها أبوها وملكها فيفديها ثم يغيّر شكلها إلى
صورةٍ أبديةٍ أكثر بهاءً وديمومةً.
مصير البشر في النهاية العودة إلى هذه الطبيعة، سواء كان هذا طوعاً أو قسراً.
عمّان - 27 نيسان 2012
اليوم
بعد عودتي من إحدى بقاع الطبيعة تفكّرت في منظرنا نحن معشر الإنسان حين
نذهب لزيارة موطننا الحقيقي؛ فنعود وكلّنا سرور وفخر يثير السّخرية بأنّنا
من "أنصار الطبيعة"، وحالنا كحال الابن العاق الذي ينظر إلى نفسه بإعجابٍ
وهو يزور أمّه الوحيدة مرّةً في الأسبوع أو الشهر في بيتها القديم، أو
ربّما في دار المسنّين!
في خضمّ كلّ الرّوعة الساحرة في الطبيعة، نحاول أن نتناسى الشعور بتلك الوخزة الغريبة التي في داخلنا،
والتي هي مزيجٌ من الغربة والخوف من كلّ ما فيها، ابتداءً بالاشمئزاز من
السير في الوحل، وليس انتهاءً بالخوف من المطر "الذي يجلب المرض".
نحن،
في الوسط الطبيعي، مثلنا كمثل الحيوانات التي نربّيها قسراً في مجتمعاتنا
المزيّفة. نخاف من كلّ الكائنات وكلّ الإيماءات والأصوات والتحرّكات.
الطبيعة هي "مكان للسياحة" في الحضارة الحديثة، وكأنّ الإنسان خُلِق في
الأصل في ناطحات السّحاب! وكأنّ جسده ليس مصمّماً لملامسة التراب والرياح
والأمطار!
لن أسأل السؤال الخَطابي الذي يأتي على شاكلة: "وكم
سنحتاج لكي نعرف...؟"؛ ففي الحقيقة لقد فات الأوان على المجموع البشري
ليدرك ويعرف بأنّ نمط الحياة الحقيقي الخليق بالإنسان ان يعيشه ليس فيه
تعدّد في الآراء!! فقوانين الطبيعة ليست خاضعةً لتفاهة جدالات البشر وبرودة
دمهم، وهي مصمَّمة لتلفظ إلى الخارج كلّ من يعبث بها.
فالطبيعة وإن لم
تكن المعلّم الوحيد إلا أنها أفضل معلّم للبساطة، وبدون البساطة لا يمكن
الحصول على "معرفته الحقة"، وبدون هذا لا يوجد شفاء ولا خلاص
قلّة تسال وتطلب المعرفة، وبالتالي قلّة ستنال وتحصل "فكثيرون يُدعوْن وقليلون يُنتَخبون".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق