بقلم فادي أبو ديب
تقبّل هديتي يا صاحب الزمان
يا ذا المقام العالي
يا من جلستَ قسراً في ذاك المكان الخالي
وأصبحتَ ملكاً على النِّساء والصبيان
وعلى الرِّجال والفئران
تفضّل هديّتي
ربما كنت ولداً تلعب في ملاعب أبيك
حين كتب الكبير نزار...
تقريره السريّ عن بلاد قمعستان
اقرأ يا سيّدي عن تلك البلاد
فربّما أحببت أن تحتلها أيضاً
وأن تضمها يوماً إلى بلادك...
بلاد الذئاب التي تفترس في كل ساعة آلافاً من الحِملان
وتقتل في كلّ يوم أحلام شبابٍ
تجرؤوا على التفكير في مستقبلٍ...
بعيدٍ عن خدمة معابدك...
التي تكرِّس الدم على مذابحها
وتخنق في أقداسها النجسة الشيوخ والنساء والوِلدان
اقرأ قصيدة القبّاني يا سيّدي
بحقّ كل آلهة الحجر خاصّتك
اقرأها فلعلَّك تعرف ما الذي يحدث في دمارستان
وإلا فدعني أقترح عليك يا صاحب الزمان
يا ذا المقام العالي
يا من استلمت قسراً ذلك الكرسيَ الخالي
أن تمزّق أوراق القصيدة
وترتدي لباس الحرب...
وتنزل لتجول في المدن والبلدان
انزل لترى جثث الفتيات والرجال
انزل لتأمّل أجساد الموتى في حقول أرض البُركان
قد غدر العسكر بمن سكن آمناً
وقتلوا كلّ الأطفال والآباء...
ولم يتركوا شيخاً ولا شابّاً
أحبّ يوماً التغزُّل بكروم التين والرمّان
انزل لترى الذي أسميته يوماً شعبك
كيف يتضوّر جوعاً...
يحتضر ويطلب النجدة من الأغراب والعربان
ثم تزعم أنك القائد الأعظم
والأمل الأكبر...والرَّمز الأوحد
لما دعاه أزلامك بدون حقِّ....بلاد رفاهستان
رجاءً تنازل واقبل هديّتي يا صاحب الزمان
يا ذا المقام العالي
يا من تسلّم قسراً ذلك المكان الخالي
وعلى طبقٍ من الماس والدماءِ...
أتاه كلّ القرار والسُّلطان
تتحدّث عن وحدة الشعب
واتحاد البلاد والأمصار
والناس هنا تكره بعضها...
وتأكل بعضها...
ثم تخرج من بيوتها في كل يوم لتعبد الأوثان
تتكلّم عن انتصارات...
بحاجةٍ إلى تجنيد رَبَواتٍ من الفرسان...
هل حقاً لديك كل هذي الملايين من الشُّجعان؟
قد قتلتَ كل بذرة حيّة في بلاد دمارستان
اقتحم جندك القرى والمزارع...
ونهبوا أهراء القمح والشعير والشوفان
لم تسلم منهم حتى مراعي الغنم والقُطعان
قد أوغرتَ صدور اليافعين...
ليكرهوا الغرب والشَّرق...
وكلّ الثقافات والحضارات
ونصّبت نفسك ربّاً أعلى لكل المذاهب والأديان
نظَّرت عن طبيعة الإنسان...
إلا أنك سمحت للوحوش أن تعامله كما يُعامَل الحيوان
و أن يسوقوه إلى معسكرات الذلّ كما تُساق المواشي
والقُطعان
ولكنّ كلّ حرٍّ...
قد أبغض نظرياتك المصنَّعة في أقبية التحقيق
والمسجَّلة للأبد بدون تغييرٍ في دواوين السُّلطان
كيف سيحبّونها وهم يرونك تُبكي آباءهم كالنسوان؟
كيف سيعتنقونها وأخوانهم جوعى
وأمّهاتهم ثكلى...
وهم في كلّ يوم يُطرّدون من بلادهم كالجرذان
وتقول لي: "لست أنا بطاردهم؟"
نعم...إنه الفقر يا سيّدي
إنها الفاقة في بلاد حرمانستان...
إنه الجوع...إنه اصطياد الأفكار والكلمات
إنه الحرمان من الحبّ والحُلم...
إنه ظلم وبطش العَسَسِ والأعوان
إنّها عينا الحبيبة الحزينة
على عَوَز حبيبها وحلمه المحطَّم
... يا صاحب الزمان!
يا مالئ المكان...يا فاقد الحنان
يا من تظنّ أنّك سيّد الأوان
دعوتكَ للنزول فانزل...
لترى ابن الثامنة او العاشرة أو...
لا يهمّني كم يملك ذلك الطفل من السنين والأعوام
انظر إلى رصاصة فجّرت رأسه...
اسمع صرخات أمّه الجريحة...
وتأمّل أباه الذي غطّى وجهه بيديه
لا تصمّ آذانك عن كلماته وشتائمه الصّريحة
وابكِ...
ابكِ بلاداً ستغرق في الثأر لعشراتٍ من الأعوام
هل ترى ذلك مؤلماً يا سيّد الدّنيا؟
أم أنّك فقدتَ كل حسٍّ بالزمان والمكان...
بالطفولة...بالبراءة...بإرادة الشبّان
ألا ترى بأنّك تقسِّم البلاد والعِباد
إلى ألفِ مقاطعةٍ ودويلةٍ وكيان؟!
هل تحكِّم العقل والحكمة أيها "الحكيم الأكبر"
أم أن مستشاريك هم المخبر الخبيث وقارئ الفنجان؟
أجبني يا صاحب السلطان!
يا ذا المقام العالي...
يا من أرسلوه جهلاً ليجلس في ذاك المكان الخالي
لا تنزل يا سيّدي...
ولكن اقبل هديّتي...
واقرأ ما خطّه يوماً الدمشقيّ الكبير ...
وتكرّم على مسامعنا بتلاوة التقرير...
عن بلادك...بلاد
الرُّعبستان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق